يا مشكاة الضوء








 

استيقظتُ على رنين المنبه، وعبثاً أحاولُ اطفاءهُ إذ جعلته بعيداً عنيّ هذه المرّة. لستُ متأكداً هل أيقضني أم هي تلك الفكرة التي باتتَ تنخرُ في رأسيّ كمعولٍ يريد أنّ يجتثَ نوميّ من ليلتي تاركها منهوشة، مدرجة بالضجيج. لستُ الوحيّد، أعلم أنّ كثيرين يشتركون معيّ في ذلك كلما عاد موعدي الصباحي من إلقاءِ التحيّة على الطرقات التي تُعانيّ من بطء في السيّر من جراء التخمة التي تُصاب بها إذ تتناولُ كمياتٍ كبيرة من السيارات، ومن المخلوقات؛ التي تسعى إلى مقصودٍ لها، يتمم وجودها في عجلة سيّر الحياة، وفي معملها الفاخر للتجارب. 
وفي كل صباحٍ يأتي، أتأملُ في هذا الطريّق الذي يجمعُ مختلفينَ يتفقون على غايةٍ؛ أنّ يصلوا إلى بغيةٍ يطمحون لها، أو يرمون في أحضانها إذا حضرَ الوقت، ومهما يكن فهم يتفقون في سعيهم هذا ليحققوا " المعنى" الذي أرتضوهُ لأنفسهم؛ أنّ يكونوا الصورة التي بنوها عنهم أو بناها الآخرون لا فرق وبذلك يشعرونَ بالإكتفاء، إذا وصلوا حدَ الكفاية بناء ذواتهم التي تصبحُ رموزاً لغيرهم أو دائرةً يعود لها كل رمزٍ ظاهر. نستيقظُ جميعاً، ونكونُ إحدى معالم اللوحة الكبيرة لليوم، تتعدد الشخوص، وتختلف الألوان، وتتنوع المشاهد والصور غير أنّ مشكاة النورِ الظاهرة، والشمس التي تضيءُ كل " ذلك" مدثرةً كل دربٍ بالدفء، وكل وجهةٍ بالسكينة والجمال، والأمن الذي تحيا به النفوس، وتعز، وترقى، وتسمو، هي التوجه إلى الله تعالى، إلى قرآنه الذي يبثُ في أفواهِ قارئيه عِطراً، وفي نفوسِ متدبرية وقاراً، وفي قلوبِ الداعيّن إليه نقاءً لا يضمئ من أرتوا منه، ولا يشقى من رامّ قربه، فهو صلةُّ للعبدِ بربه، وصلةُّ للعبدِ  بخلق ربه إِذ تفلقُ منه الحكمة، ويظهرُ منه أرفع ما يصل له إنسان 
يا مشكاة النورِ، سِّر، وأهدي إلى طريقكَ كل قاصدٍ لهُ، من صبّحك يتفيء وجهكَ ظلالاً وارفاً، وقلبكَ وطناً جميلاً. 
يا مشكاة النورِ، أقبّل، وأقرأ، لتكن للعالمين دليلاً. 
من فيّك تنبتُ ثمارُّ يانعة، وواحاتٍ خُضر، ومساحاتٍ شاسعة للجمال، يهدي كل آخرٍ " الحُب" ؛ أنّ يعود إليهِ، إلى طريقه الذي يُعز به، وغذاءُ روحهِ التي تطيّر به ساعيةً في الأرجاءِ بهذه النعمة مُلبية، وظاهرة. 
إنه الأمن الذي لا خوفَ بعدهُ، ؛ الحصنُ الذي لا هاد لجدره، ولا بالغ لما ورائه إذ يبنى عليهِ كل سعيٍ آخر للعزةِ، وللرفعة، فهو أسُ كل عزٍ، ومنبعُ كل أمنٍ يبتغى، ووطنُ كل غريبٍ يقصدُ غاية لا يصبح غريباً بعد ذلك أبدا.

تعليقات