على الكرة الأرضية أن تزيد من
احترامها للكلاب والقطط، وأن تضعها بمكانةٍ علمية مرموقة معلمين لكافة الكائنات
الحية صنوفَ الوفاءِ، وحسن المعاشرة، وطيب الجانب، على أن توزع هذه الأكاديميات في
شتى بقاع العالم، فالبذرةُ التي تنتشر، تنمو لتجد لها في الأوطان منازل وضياع يعاد
إليها من لدن المستكشفون والمارون من سبلها. قضمتُ عِلبةَ السردين المخزونة خلفَ
ذاكرتي، ورحت أفرد أناملي على قطع الشطرنج المتناثرة كحبيبات الحلوى المحبوسة في
زجاجة طولية تنتظرُ التنفسَ المار من يدِ عابثٍ أو مشتاق، مددتُ أناملي حتى جاوزت
حد المدى، ثم تفرعت فوجدتُ ليّ أيادٍ في الأفكار التي تقلُ بعضاً من جسدي هنا
وهناك، فعدتُ إلي في كل بيتٍ، وقطعة أثاث تناديني في المنازل، ثم أرسل مع كلماتي
إليها حياةً تبدلها الحياة حياةً أخرى، وأسكبُ محابري على وجهِ الأراض المُقفرة
فتمتدَ دروباً نيرة، تملؤها أشجار الصنوبر على جوانبها، وبعض أشجار البرتقال
المعمرة التي تقطع منتصفها المضاءة بالمصابيح التي تبثُ ذاكرةَ حوتٍ قضى نحبه بيد
صيادٍ يبحث عن لقمة العيش، فيمن يبحثُ عن لقمة العيش ليكمل دورةَ وجودهِ، ويحفظ
نظامه عن الفناء. علينا أن نوزع القطط والكلاب على الناس ليتعلموا الحبُ،
والعنِاية بمشاعرهم، مما يزيد من منسوب حسهم فيشعرون بالآخرين المركونين في حياتهم
كملابسٍ قديمة في الرفوف العليِّة، وفي الحقائب الضخمة التي بالكاد يتذكرونها عندما
يبحثون عن شيءٍ ما في المخزن، موجودون وقريبين جداً، لكنهم بعيدين بنفس المسافة
... غير موعى بوجودهم . علينا أن نقرب القطط حتى نتعلم أن لا نبتعد بالقدر الذي
نقتل فيهِ شغف من أحبونا من سويداء القلب. بدأت الدروس سريعاً، من على الأرصفة
التي يتبتخر عليها الكلاب الأصيلة، تتمايل جهة اليمين واليسار وشعرها المسدول
يتحرك كالحرير في الهواء الطلق، وأمام البحيرات تتأمل الجمال في الأطفال الذين
يرمون بالحجارة ليكتشفوا مقدار الموجة التي يخلفها عملهم البسيط، بينما تطول
أحاديث فتيات يتناولن الفيشار من بعد حصة اللغة في الأكاديمية المجاورة للحديقة،
تتناول الكلاب طعامها برفقةِ محبيها كعشاقٍ يعيشون في نعمة اللقاء أبداً، وفي كل
يوم، ولا نتوقف عن مراقبة ذلك والاستمتاع به، بل نسارع في تصوير أجمل الكلاب
والقطط وهي تلتزم بتناول غدائها في الوقت المحدد، وفي استقبال أصحابها عندما
يعودون من العمل مع اختلافِ التواقيت يحتفظون بمقدرةٍ ضخمة في استيعاب التحولات
التي تطرأ على الجنس البشري، بينما لا يستطيع كثرة من الناس استيعاب أنفسهم، وماهم
في صددهِ الآن. إني عندما أرى إنساناً يهتم بالحيوانات
الأليفة أكثر من جنسه البشري أستطيع الشعور بأن شعوره العميق لا يحتاج لأي كلفة قد
تودي به، وبقلبه، عندما يستلزم عليه أن يكون معلباً كطعام القطط والكلاب في محلات
بيع الأغذية؛ إنه يعلم أن هذا الشعور " الضخم" في المكان الصحيح في قلب
مخلوقٍ لطيف يبادله الحب بامتنان.وبينما تغرق القطط والكلاب في عيش يومها بحب، وتقضي أحلى لحظاتها بحب، ثم تضجع في أكواخها الصغيرة أمام البيوت أو في صدرها، يعيش آخرون خارج الزمن مبقين شيئاً منهم لممارسة البقاء الآلي اللطيف الذي يقودهم لنهايةٍ بعد نهايتهم حيثُ يتوحدون مع الثرى إلى مثواهم الأخير.
تعليقات
إرسال تعليق
علق وجودك بالكلماتِ التي تكتبها لتحيا في رُده الشعور...