الآنسة بروكلي تعلمني رجيم الماء!





١٦،


الشيء الذي يجعل الآنسة بروكلي لا تُرجل شَعري الذي يبدو لولبيًا في التفافاته العجيبة بأكثر من جهةٍ وكأنّه قد تشكل على امتداد تفكري في نواحٍ كثيرة؛ أنها تستعدُ منذ ما ينيف على الشهر على كتابةِ ثريّد تويتري عن فنونها بالتخسيس والرجيم.


وكنتُ من زراعتي للبروكلي في فناء المنزلِ وحتى اليوم أتناول غذاءً جعلني أشك في كثير من الأحيانِ أنّي أتناول مُزَّحٍ ليسَ إلا فتارةً يكون فطوري مقتصرًا على بعضِ الفواكه مع الشوفانِ المقل فيه، وتارةً أتجنب كل هذه الطبيعة الخضراء حدّ أن لا أمر على حديقتي في الفناءِ حتى لا أخذها من شذر عطرها الذي يتسلل لجسدي عبر حويصلاتي الهوائية مقتصرًا على اللحوم وكأني أحد الممثلين العاملين بالافتراس في غاباتِ السافانا إلى أن فقدتُ توازني ورحت أتمايل جهةَ اليمين واليسار مع هبوب الرياح وأنا أفقد طاقتي السُكرية شيئًا فشيئًا… كنتُ أؤدي ذلك لا لأفقد بنيتي السمينة، ولا لأغيرَ من ارتفاع وجنتي، ولا لأحصد جسدًا محددًا بمشرطِ الرياضة والحديد الذي يشترك فيه مئات الكائناتِ الحية ليخرجوا بغير ما ولجوا إلى النوادي مهوسين بشدِّ القدود حتى تكاد عضلاتهم من فرطِ شدها تتقطع، وإنما قوام ما أفعله هو التمتع بالصيامِ كما التمتع بالطعامِ. 


فإنّي أجدُ في كل نظامٍ غذائي مُتعٌ والنفس تستلذُ إذا ما استكشفت ما هي عليه مقدمة بشغفٍ واقدام، فتتحدرُ إليهِ كصبابةِ عاشقٍ مُلبد بالذكريات، وتجدُ فيه من البُغى ما تروم وتقصد، لكني على كل الأحوّال لم أجد أطيبَ مِن النفوسِ الزكية على أجساد أصحابها فهي التي يكون عليها قوام الأمرِ إن ثقلاً وإن خِفة أو موازنة بين ذلك وذلك، ومما يزيد عجبي أن اقدام الناسِ على التنّحف والتقدد إنما يكون بغير طيب نفس، منزوع الرضى عن الذات، فيعودون بذلك بالخسرانِ إذ تتجعدُ وجوههم على مظهرِ الحزن على فقد الطعام وفقد متع الحياة. 


خرجتُ قبيل فينةٍ مع مُقبلٍ على الرجيم، وكان في اقبالهِ الشديد هذا مجبورًا على الخروج معنا من الاستراحةِ للمطعم، يدور الأحاديث علينا كم تدور الصحون بأشهى المأكولاتِ والمشروبات، وهو مع حديثهِ يُقبل بترددٍ بشوكةٍ على المخللات يغرسها فلا تكاد تلاقي رغبةً، وفيه من شحوّب التردد ظاهرٌ معلوم، وعندما أراه أقول أين الاقدام على الحياة الذي تسرب من نواحيه فأقفر من مسحةِ الإشراق الذي عرف بها فكأنك به كائنٌ آخر وحياة غريبة علي،  وأرى تبدلَ أحوالهِ مع ضعفٍ في الجسدِ تسرّب من الفكرِ، فتذكرتُ الآنسة بروكي صاحبة أنواع الرجيم الغريب فلا يكاد يمرُ بها الزمان حتى تحكي وتجرّب رجيمًا جديدًا، وقد خلتها قاربت على الاختفاء حينًا من شدّة ولعها بفقدِ بنيتها وكأنها تهش عنها بعض الغبار الذي علقَ بها وكما أشيح بوجهي عن الذكرياتِ التي لا أريدها فتذروها الرياح إلى منتهى النسيانِ يقضمها و يغذا عليها.


ولم أكد أفعل ذلك حتى لقيت الآنسة بروكلي في المنزل تشربُ القهوة العربية، وتتلمسُ أنصافَ التمرِ، ومعها ميزان صغيّر تقيس بهِ الأوزان أو السعراتِ الحرارية، فأقدمت عليها متناولاً فنجانًا لتسيح بنا الأحاديثُ في مراكبها عن رجيم الموت، كيف يمكنك بتهورٍ أن تفقد كل شيء، وأن تحيا على الماء فقط! فقلتُ لها أخشى عليّ أن لا أعود شجرة يقطين، ويتسربُ إليّ الذبول لأتحوّل لشجرةٍ صحراوية تنتظر الماء في أحاين قليلة في العام، ثمّ أصبح ورقةً في مهبِ الريح لا أهش ولا أنش وإنما يأخذني الهواء الهاب إلى كل حين إلى المجهول وقد فقدتُ شجرةَ البلوط حينما نشترك على موائد الطعام المبسوطة، ونسافرُ على الغيمات التي تزورُ حدائقنا إلى مقاهي القهوة الباردة، والمطاعم المبسوطة على شوارع الرياض الخضراء وأدع رحلاتنا الصحراوية في الأيامِ الباردة التي نضم بها بعضنا بالأحاديثِ الجميلة وبالمعاني الوفيرة وبالحياة المشرقة على هدى النور الهابط فجرًا ، ثمّ إذا دعتني شجرة الصبار إلى أعياد ميلادها وإلى كعكها المطلي بتعشقها الطويل لا أكاد أقدم عليها أو أكل شيئًا، وأنا في شأنّي هذا ذابلٌ، لا أكد أفصح عن بصيرةٍ ولا أعود راغبًا بشيء إلا أن أتخفف من حملي اللا مذكور في حجم هذا العالم الكبير. 


لقد تركتُ للآنسة بروكلي الهوس، و أمعنت في قصدِ قهوتي الباردة ذات السعرات المرتفعة، مع قطع البروكلي الخضراء التي قطفتها من غابة المنزل المتقد بالحُب، ورحت أبحث عن الحلوى والشوكولاته المغموسة مع جوز الهند، وهي تنظرُ إليّ من أعلى نظارتها المستديرة قائلةً يا يقطين هل هذا الاقبال على رجيم الماء؟ فأقول لها يا عزيزتي لا رجيم مع الذكريات الجميلة التي تعمر قلبي .


تعليقات