الجفاف الذي يزداد في عيني ينبأ عن عدم رغبتي في رؤيةِ أشياء وكائنات جديدة؛ لا من الاكتفاءِ ولكن من الاندثار إذ بي مترحلاً على الكثبانِ الفراغيةِ للماضي السحيق...
افجعني الرحيل مرارًا حتى استسغتُ مذاقهُ وأصبحنا عملة واحدة لجسدٍ واحد، بما لا تفترقُ فيه صورنا ولا ذواتنا على شيء وقد أخذتُ على عاتقي اغماضُ عيني عن الأحوال المُبدلة فعشتُ بذلك الشيخوخة في عِز الفتوة، وتوقف فيهِ تأملي لحدود الفراغ؛ لا أحس بشيء سواي ثم أغيبُ في تفاصيل كياني تائهًا أبدًا أتلقطُ في الضياع جُملي وكلماتي الصفية الوفية. أحنُ إليّ دون معرفةِ ما فقدتُ لأحن إليهِ وقد شهدتُ جسدي وقد أتخذ الخروق والجروح لتكون علامةً سامية لغزل الكلمات.
أضمُ الذكريات كمن يتلاحقُ غيابًا قد طلّ بهيئته الصامتة ليفجر الصرخات والنحيب، لكني وعلى نحو مُعتاد أقارع هذا الحزن كمن أضرم نسيمُ في حشاه نكتة من ماضٍ أبى إلا الرجوع على هيئة لحظة وشعور؛ يمضي اليومُ في مضيقٍ مروري ثم أنساهُ، أو أتداعى بسمعي وكلي "لبودكاست" غريب، لأحس بفراغٍ وهدوء يحبسني في دجاهُ إذا ما وصلتُ دون أن تعبأ بي التفاصيل وتتشبث بي، فيصبح شُربي للقهوةِ السوداءِ محضُ سلوكٍ رديء وجاف وقارص دونًا عن المرّات التي يكون فيها سلوكًا قد طُعم بلقاءٍ وقبلات وحُب واصغاء تغيبُ فيه نفسي وأغدو لصيقًا بكل الأشياء قدر نبض وذات.
أقلبُ صور هاتفي، وأغيبُ في مدلهماتِ الأحوال بين يدي؛ كيف أشبهُ الفصول المنوعة، والكلماتُ المتداعيةِ لمخيلتي تغزلُ في أنحاءِ جسدي الأفكار والأنهار و تنمي بها فوهة الثقب الأسود آنًا معنا ؛ الثقبُ الذي تهشمُ فيهِ ذكرياتي، يُعمل صواقله في جسدي وألمي، متلمسًا الضوءَ يعبرُ الطينةَ ويتلمسُ بذور الظلام لتوهب الاشراق، ولتنعم طفولتها بالتدفقِ والارفاق.
أجدُ نفسي وقد جُزت من محالها وأُخذت من عليائها لتتنفس الذكريات بعبق آخر، شعورٌ جديد قد نمى وتدلى في صدري لأقرأ الوجوه كما لم أقرأها ، وألمس حُبي في الجمالِ يراوح بين يدي ليصبح نصًا وليوهب جسدًا ؛ لا تحفظ الذكريات رونقها إلا بشعورنا بهاك وليس من شعور يدوم على ذات الجذوة...لذا يبقى فينا تاريخ قد طالته يد التحول لتعجنه على صور كثيرة، هكذا أقرأني مجددًا وفي كل مرة يكشف قلبي عن ناحية وضوء وحب.
يا عاهل آلام العالمين غص لقعرِ الصبابةِ لتغسل وجهك الوطن الأول، ووجهك النسيان والذاكرة. وجدتُ قلبي وقد ضم هذهِ اللغة؛ لأقرأني بصوتِ العلالي يا عاهل آلام العالمين ذاكرتك هذه اللغة المحضة فحي هلا بك وحيدًا وقد مُلئت بالعوالمِ والذكريات.
تعليقات
إرسال تعليق
علق وجودك بالكلماتِ التي تكتبها لتحيا في رُده الشعور...