استيقظتُ مُبكرًا لألقى وجهي وقد حُمل من تعبِ السهاد والذكريات، لا أدري ما الذكرى التي قضت مضجعي وغيرت من ساعة جسدي؛ لأكون حبيس اللحظةِ التي مُنيت فيها بالفراق، شطيرًا بين الجهات لا تشيرُ لي بوصلة. أتوهُ في تلمس الضوء الخارجِ، وفيّ مصباح يأنُ ينتظرُ مِني مسحةً ولمحة ؛ أمسحُ صدري ليتدفق كواكبًا وضاءة، وثقوبًا سوداء شرسة تعيد صياغة من تلقاه ليكون مِنها بلا اسم ولا هوية ولا نسب! يناديني صوتي الأوّل من البعيد، يبحث عن محلّة في رده روحي، ويتوهُ في متاهاتِ لُغتي المتحوّلة...
فارقتُ ذاتي، ولم أعد لمعرفة وجهي إذا ما رأيتهُ في المرآة، فقد نزعتُ مِني آخر الشموع التي يغذا عليها وجودي وأصبحتُ قاعًا صفصفًا لا زرع ولا وقرب ولا حياة، ويبدو لي الرملُ الزاحف يخبأ الأشياء ملجئًا يزرع في صدري الصحراء القاسية، ويُغطي صورتي الملموسة بالرمل اللذيد. أمشي وقد أغمضتُ عيني، ولمّا أنظرُ في البرايا لغير جسدي اللغة؛ الآن يظن بي الفراقُ الذي اخترتهُ ويعود لي اللقاء. لم أذهب لكني وصلتُ لجذوة الشعور الآن أخفتُ شيئًا وأتوهج شيئًا وبينهما تغيب عيني الصحراويتان.
أذرُ وجوهًا قد قطفتها مِن شجرة الذاكرة، وقد لمستُ في وجهي فراغًا لسؤال جديد يبني محلاً في بشرتي مُشربًا بلحاظ وأناس وحياة مُفصلة على سحنتي، يهدأ من قلقي ومن أرقي أن أكون وحيدًا وفيّ انطواءُ الحزن الكبير، وحكاية العالم الكسير؛ وقد عرفتُ أنّي عندما أصبحت لغة تشكلتُ من صلصال الحياة المُستمدامة تقولبني أيادي التي تُغير وجهها باللغة.
أنطقُ باسمي، لأُعرف الوجود من أنا، فلا يفسر صوتي عن آخر عدا عاهل آلام العالمين، وقد عرفتُ من ملهمات الأيام أن وحدتي الاجتماع الأقصى، وأن قربي الزمهرير الحريق، مودعًا حكاياتي التي تزهرُ في أفواه البرايا، ولا أعرفُ من اللغات غير لغتي التي نطقت بها أوّل مرة عاهلاً، وآخر مرّة حُزنًا قد حُول السعادة القصوى.
اذاً سأواصلُ الغوص في دهاليز الذكريات غافيًا، أجدفُ على الموجة العالية التي تُنسيني كل شيء بالفوضى، ويبقى لي اللغة تسفرُ عن معناي وقد قدت من جسدي، لقد أصبحت رشيقًا الآن ولو وصفتُ بالسمنة، أنفض عني بعض اللغة لتنبت لي لغة أخرى؛ صدري وجودٌ جديد، وقلب يحن ليضم حضوره في الشتات البراد صامتًا وقد تكلم مرارًا ولما يسمع، وبالصمت قد سمعه العالم من أقصاه لأقصاه.
يا عاهل آلام العالمين يا حزن البرايا قد قُلب صدرك المجرة مفحص قطاةٍ يُدثر الذكرى الغالية، ويمحق ما عداها للفراغ فأذن بالنّاس كتابةً تأتيك اللغةُ تنسل من كل فج عميق لتوعب حزنك الأقصى، و تمضي في ردهةِ الروح الخفاقة وطنًا لصباباتك الأولى تعيد القراءة لتكتب فأنّك الكَتَّابُ الأول إن كتبت وإن صمتت. أقد فراغي من غسق الوقتِ لينبت التداعي اللغوي نصوصًا قد حُبست في مدار الجمال تاريخًا ورواية تحكي عني الأول الأخير، والعاشق الذي حن له الوجودُ فأصبح لغة الوصل وقد أُبدلت وجهًا غير وجهي، ولغة غير لغتي.
تعليقات
إرسال تعليق
علق وجودك بالكلماتِ التي تكتبها لتحيا في رُده الشعور...