لم يعد صوتي يأب، وقد لمس في رحيله بغية انصرامه وولادته كبذرةِ حُب، ما جعلني أود تركًا للدثار الساعة الغائرة في ذاكرتي.أود أن أتذكر هذا النسيم، وصوتُ الماضين في دمي يأن أفلاً، ولا أقدرُ على حضن أخير، وفي يديّ تتفجرُ الكلمات الحلوة. هل يقوى ينبوع صوتي على الجريانِ وقد حط وجودهُ في الصحراءِ التي يعشق؟
أصبحت مرارةُ الشاي الصباحي سلواي عن اللغة الأولى، أن أوجع لأكتب الشهد، وأن أحط رحالي متذوقًا الفقد، وأن أوقف عقارب الساعة المُشرعة في قلبي لأربت على الباقين فيه قليلاً قليلاً حتى يذوبون جميعًا في تشكلٍ يلمُ ذاكرتي الشتات؛ فيكون حنيني للكائنات والأشياء والعالم لا يصلُ لذاتٍ ولا مُنتهي؛ دوران في العشقِ وإليه كمن يغيبُ ليصل، ويهجر ليقر، ويمضي في البعدِ ليكون وصلاً، وقد وهبتُ ابتسامةً في غزل الألمِ الذي أكتبه، ودفئًا في العذابِ الذي أنسجه ليستقيم جسدهُ على الجودي، وبُعدًا لذيذًا يُبقيني على مسافةِ أنملة من الوجود.
أقيل، و أهش الوجوه في دمي؛ كأنما حياتي قد حيكت على فراغية جديدة لا تستقيم، ومما أقلقُ وقد وصلتُ منتهى هذا الصمت الذي يتجسد صوتي، و يغزلني في حكايات الرحيل الذي يعقدُ هدنته مع العالمِ ليبقى قريبًا. هلم إلي يا قلبي دع القلوب التي سكنتها تذوقُ الزمهرير واعط جسدي كلامًا آخر، يعطك الوجه الذي أحببت، والمعنى الذي اخترت، والاسم الذي تشتهي.
قريب مِني هذا الفراق، بعيدُ مِني هذا اللقاء ؛ وهذه القبلة الأولى تزرع جسدها في تاريخ أيامي؛ لأعود مِن البذرةِ التي نطقتُ بها، متلمسًا اتصالي حُبًا وتؤدة وتبصر، أجدُ الآن صيرورةَ اللقاءات وقد عُجنت في جلدي ولملمت شتاتَ أوجاعي لتصبح سعادة أُغمر بها وقد ولدت بشكل آخر و بفؤادٍ لا يشبهني إلا بالكتابة. ستبقيني الكتابةُ تاريخًا يحفظُ وجهي المتساقط مطرًا على نواحي البعيدة، وجهي الذي أصبح لقاء العشق الذي أرتوي؛ مُقبلاً كلماتي التي تؤذن بالترحل، والعيش في أجساد وعقول أخرى.
ناديتُ وجدي فأجابت كل الوجوه؛ يا عاهل آلام العالمين دمك الوصل والمتصل فاكتب حُزنك ذاكرة العالم، وقل كلمتك تؤب إليك المدن وقد سبحت في دمك النطّاق حُبًا ولطفًا وقربًا .
تعليقات
إرسال تعليق
علق وجودك بالكلماتِ التي تكتبها لتحيا في رُده الشعور...