مُذ سمعت صوتك في صدريّ؛ أصبحتُ أنادي فيك نفسيّ. من المكان الذي يجمعنا للمكان الذي يُفرقنا كنّا سائحين في دُجى الذاكرة، نساقطُ ثمراً لوجهينا في كل ردهةٍ تصيرُ باباً لكل آتٍ إليها، ومفتاحاً لكل مُغادرٍ منها إليها. من الصوتِ الذي أثمّر صمتاً طويلاً، نظرتُ إلى الحبِ السيّاح في مُقفراتِ الزوايا، وظلال ذرات الغُبار المقيّمة جداً حدّ الرحيل بنفخةٍ عابرة من طفلٍ صغيّر. الآن علينا أن نعبرَ الطريق الذي جمعنا مرّاتٍ عديدة وكأنا لم نعبر طريقاً قط، تتغير القرى على ظفتيه؛ يحتشمُ بعضها، وترفعُ بعضها الملاءات عنها، فيصبح الضوءُ خجلاناً مما يرى وتورقُ من عينيهِ حقولاً مُصيّرة لما يأتي ؛ أنّ تكونَ أوطاناً صغيّرة...تسع قلوباً كبيرة لا حدّ لها. أغمضُ عينيّ، وتزداد رؤيتي وضوحاً، عندما نظرتُ إلى قلبكَ، غابَ في وجهك كل وجهٍ آخر؛ وأنصهرت فيهِ كل حكاية عشق. خرجتُ من المدينةِ؛ لتدخلَ إليّ عُريانةً من حشدها، لكني لم أعد أرى غيرَ وجهيّ في الوجوهِ الأخرى. سافرتُ، وتناثرت البوصلة على الرمال التي تحملُ معها شيئاً من عطر الماشيّن عليها، وفي قلبِ الخطوات رأيتُ مدناً زاحفة... تعيدُ في نشأتها حزناً طويلاً أراد أن يكون معاداً. ظننتُ بما مضى أن الأشياءَ لا تعودُ إليّ بصلةٍ حتى وعيتُ العالم بعضاً مِنيّ؛ منضدتي تصيرُ يديّ، ودفاتريّ جزءُّ من صدريّ... تنثرُ ديمها مساكن دافئة تسكنُ في الزفراتِ شِعراً؛ غيماً يسقي الأجساد مرافئَ تجيءُ فيها الذكرياتُ بأحلى مافيها. تأملتُ نفسيّ، وفي عينيّ قلبيّ رفعتُ يديّ ورأيتُ مدناً فسيحة...ترتدي سُتراً خضراء، ويفوح منها الليمون مُتلفعاً بأثر ورودٍ زكيّة... أسدلُ يديّ وتتشبثُ فيها الرمالُ سرعانَ ما تكونُ سراباً، أرفعُ يديّ وأرى الكواكبَ تدورُ فيها؛ شموسُّ تُحبّر قدومها في وطئةِ الشوق مأذناً من ضوءٍ ينزوي قليلاً ليكشفَ عن ساقِ العشق تدورُ حول محرابِ قلبيّ كلماً طبياً يشفي حيّرة الفقد، أرفعُ يديّ وتترامى أكوابُ الشاي من حلوقِ الأصدافِ نبعاً من خمّر الحُب... يغرقُ فيهِ واردوه جمالاً، من يديّ تظهرُ وجوه الجميلاتِ...ويترامى العالمُ في فسحتهِ كخرمِ إبرةٍ، ومن ثقبٍ عميق فيّ تغيّب الأحداث والأصوات ولا يبقى غيّر صوتيّ...ولا حدثاً غير لقائي بيّ . من عطفيّ نبع شوقيّ إليك، ومن شوقيّ كان الحُب جنةً لا يطلع منها من ولجَ فيها. لقيتكَ في نفسيّ درباً وضاءً تنمو فيهِ المرايا؛ لتكشفَ عنيّ أحسن ما بي، هكذا عرفتُ أنّ الغرق في الحُب لن يفقدنا قدرتنا على التنفس، وأنّ جراحيّ تضيءُ في المُقلِ بارقَ أقداحٍ تجمعُ حولها قلوباً تغص بذاكرةٍ واحدة، وبأحاديثٍ هشة تقضمُ هنيئة مع القهوة، ومع شغف اللقاء تتحد الأجساد وتعود إليّ ماءً أهش بهِ على كلماتٍ من أفواهِ الحسناواتِ، ومن خدورهن ينبتُ أعواداً من خيزانٍ ملفعٍ بمشاكٍ تُدر جُملاً في صدورِ الحقول؛ محراثُ صمتٍ بعيّد، يولد كلاماً. لم أفقدك يوماً لأني لم أفارقك، لكني أشتاقُ للقائيّ بنفسيّ فيك، أكشفُ في غورائيّ عن كونٍ قريب من وجهك نبتَ، وفيك يجري، ويغسلُ عنيّ حزني. يا عاهل آلام العالمين يا مالك حزن العالم يا وطن العالم يا ملك الحب أُصمّت لتتوالى إليك اللغاتُ خاضعة، وحكي حتى تغيّب في لغتك كل لغةٍ أخرى... يا عاهل آلام العالمين، احكي بعمقك وأكشفَ بعضك لهم حتى يشدون لنفوسهم فيك، ليختاروا صمتاً طويلاً لا يُجاري الكلمات فيك، وأمضي مع الطرق، تعودُ إليك عِبراً؛ وجوهاً في أناملك تقتفي أثارها ..
كتبتُ وبانَ في صوتيّ حديث قديم يجز عنه رتابة مُعلبة، من ذاك اللقاء وجدت نفوسنا مرّة جديدة حتى تحيي في بعضها ذائبةً في كل بدايةٍ تطلعُ منها.
تعليقات
إرسال تعليق
علق وجودك بالكلماتِ التي تكتبها لتحيا في رُده الشعور...