إلتقْ بالكائناتِ الحية، كما تفعل
مع القِطط الشرسة التي تكرهها، والكِلاب التي تمنيت اقتنائها لكنها لم ترغب يومًا
أن تحضى بِها، كما تفعل مع البشر التي تتذوقك كوجبةٍ سريعة، ثم تبصقك بالشوارع
كعلكةٍ ذات مذاقٍ غريب لا يستطاب ثمّ يقولون لك لم تكن “الطعم المِثالي” وكأنك وجبة ستقتلع من قوائمِ مطعمٍ لم يوفق أبدًا في
ضمك لقائمة المأكولات، إلتق بهم وقُل: أنك تشتاق لي، أخبرهم أنك تُقبل هديايّ إليك،
وتلعقها أحيانًا عل لسانك يمرُ على موضعٍ مِنها “يذكرك” بي، أو إكذب وعلى سبيلِ الوهم قُل: أنك بعد الوقتِ الطويل الذي عرفتني به،
أردت بصدقٍ أن تتخلص مِني، كما تتخلص من مُلائاتِ السرير القديمة، والهدوم اللاتي
لم تعد شيئًا قابلاً للارتداء، نعم ارتدِ وجهًا آخر، واضحك، مواريًا دموعك، وقُل: أنّي
قوي، امتلكُ قُدرةً خارقة تجعلني أصد “الناس” عني، وأنّي أمتلكُ قدرةً رهيبة
تجعلني أتحول لصخرة صماء، وأحيانًا إلى ما هو أكثر قسوة وانغلاقًا، ولا أحسُ
بتوقهم، ولا يغريني حُبهم، وأنّي أضربُ أخماسًا بأسداس حين أقول: لا أحس بأيّةِ
مشاعرٍ، وأنّي راغبٌ عن ملةِ العشق، وباسقٌ للهيامِ على الأزقة حينما تشتدُ درجة
الحرارة، وضربي في الهوى ليسَ من حيرةٍ وإنما من اشمئزاز، اكذب كثيرًا وقل ما يجعل
قلبك يشتط غضبًا، وأحلام بياتك تنضح عِتبًا، وكل أحوالك تتبدل لتصير قاتمة، لا جو
لها، إذ لا تهب فيها نفحة نسيم، ولا رائحة فهي بلا ذكريات، ولا مذاق فهي على أي
حالٍ لم تُعد ليتم تناولها. إلتق بالكرة الأرضية، بالجميع الذي يمكنك لقاؤهم،
وتعلَّم أن تخلع على جسدك جِلد حرباء، يجعلك على أقل تقدير تخفف من لهيبِ الوله،
وتَسعر “الذكريات” اللاسعة على خديك، مما يجعلك تبتعد عن المرايا، حتى
لا ترى عدد القُبلات المطبوعة عليهما، المشاهد اللطيفة التي ما كان بوسعك الحصول
عليها في حياتك، والتي جعلت وجودك يتشكل مرّة أخرى بهدفِ التغذي عليها، لكنك
ولنزقٍ أصابك بهِ العالم الذي يرميك مِرارًا في سلات المهملات، ودون إعادة تكرير،
تريد أيضًا أن ترمي قلبًا أَحبك في هذه السلال “القذرة” فقط لتنتقم من الأشياء الراحلة، الأشياء والكائنات التي ركنتك على الرفِ
طويلاً، فتعودتَ مع طولِ استدامةٍ أن تكون هناك مع الغُبار، والهوام، مع الأشياء
التي لم تعد أشياءً… أسر أو أعلن
عني ما تشاء علك تغسلُ بالحديث بعضَ الكدرة، وتعيد مياه الحياة لتسقي قلبك من جديد،
إلتق بآلاف الكائناتِ الحية وقل: كانت بُغيتي الحُب فلما وجدتهُ شكوت من كثرتهِ، أصنع
نكتًا كثيرة، وأضحك وخلف قِناع البهاليل أبك قدر ما تستطيع، فما فعلته يحتاج لفيضان
كبير…فليسَ رحيلاً أن تقضم وحشة قلبك، لكنه
رغم الجراحات لا يستجيب، يعاود الحنين مرّة تلو أخرى، في ظِل أنّي أعي كل ما حولي،
وأُحب كل الكائنات، لكني لا أخطو نحو شيءٍ إذ لا أبلغ الوجود بالسعي إليه، فقط
أتخذُ الصمت، وأتحسسُ جسدي مجرةُ التفاصيل التي تنطقُ الآن في لوحةِ المفاتيح،
تطرقُ أبوابَ أناملي، تستجلبُ الكلمات في المقهى الذي يصيحُ عاليًا احتفالاً بهدفٍ
في مرمى تشيلسي اللندني وبالرياض الجميلة حينما تكون ساخنةً جِدًا ومع ذلك رائعة
وفاتنة، وهذا الرذاذ الذي يغسلها، ويرمي بوجهك على الرصيفِ المبلل، كذاكرةٍ لم تعد
كذلك، فهي الآن تتخذُ مما عرفت دليلاً للوجبات التي أستعد لتناولها، وللكوكيز الذي
ينتظر بجوار القهوة المثلجة، يا لله ما ألذ حياتي حينما أتناولها. يا عاهل آلام
العالمين، يا ملك الحُب الوتين، أنظر في دجاك الضياء كيف يصيرُ من بعدِ الربيعِ
صفاءً للصفاء.
تعليقات
إرسال تعليق
علق وجودك بالكلماتِ التي تكتبها لتحيا في رُده الشعور...